ملخّص - الفلسفة ما قبل سقراط - أحمد فؤاد الأهواني


في هذا الملخّص، سنقوم برحلة عبر مرحلة مهمة من
تاريخ الفلسفة، تلك التي تسبق الفترة الزمنية التي عاش فيها سقراط. سنستكشف الأفكار الفلسفية التي نشأت وتطوّرت في هذه الفترة المثيرة، بدءًا من الفيلسوف الأول طاليس، وصولاً إلى السفسطائيين الذين أثروا على منظومة الفكر اليونانية قبل الظهور البارز لسقراط. يهدف هذا الملخّص إلى تسليط الضوء على المفاهيم والأفكار التي رسمت خطًا للفلسفة اليونانية قبل أن يلتقي سقراط بتلاميذه، مما يساعد في فهم أعماق الجذور التي نشأت عليها أفكار الفلاسفة الكبار في العصور اللاحقة.

هذا الملخّص هو لكتاب "فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط" تأليف أحمد فؤاد الأهواني


طاليس
أول الفلاسفة الطبيعيين. قال أن للمغناطيس روح, بحيث أنه يؤثر على ما حوله من خلال الحركة, كما أنه جعل لكل شيء روح بما فيه العالم ككلّ, ومن هنا يأتي قوله (كل شيء مملوء بالآلهة) أي أنه أنزل الآلهة من السماء وأسكنها كل الأشياء. وقال أيضا بأنه يجب أن يكون لكل شيء أصل واحد وبأن هذا الأصل الواحد هو الماء. وبهذا أنتقل بالفكر من حب الخرافة philomythos الى حب الحكمة philosophos, بأن وضع إشكالية وحاول الإجابة عليها.



أناكسيماندير
طرح موضوع أصل الأنواع, وقال بأن البشر ولدوا من أنواع مختلفة لأن باقي الحيوانات تستطيع الأعتماد على نفسها أسرع من الأنسان, بينما الأنسان يحتاج وقتا للنمو والرعاية, وما كان ليستمر لو أنّه كان هكذا منذ البداية. وقال بأن الأرض في حالة نشفان, حيث كانت قبل مغطاة بالماء, ومع تقلص الماء تطورت الكائنات البريّة من تلك البحريّة. ذكر أن تطور الحيوان محكوم ببيئته. وقال أيضا بأن الأرض معلّقة بمسافة متساوية عن الأجسام الباقية في الفضاء, لهذا هي ثابتة. وقال بأن أصل الكون هو (الأبيرون) وشيء مجهول النوع لا نهائي ولا محدود, وهذا الشيء هو أصل كل ما هو موجود, وكل ما سيوجد سيكون نتاجا لما سبقه, ومن هذا الشيء تتأتّى الأضداد (الأرض/الماء/النار/الهواء). هو يربط هذا الشيء بمرجع سماوي. وفي النهاية, فإن العالم سيعود الى الأندماج مع هذا الأصل.



أناكسيمانيس
قال بأن أصل الكون هو هواء لا متناهي. كان من الوحدويين الماديين اللذين يقولون بأن لا شيء يستجد ولا شيء يفنى, بل هي عمليّة تعديل في خصائص المادة الأصل. كان يعتبر أن الأرض مركز العالم, وبهذا أثّر على الكثير من الفلاسفة اللاحقين إذ أعتنقوا هذا المذهب. لقد كان أناكسيمانيس آخر فلاسفة المدرسة الأيونية, ولقد شهد لهم المؤرخون بجهدهم الجبّار, حيث أبعدوا سلطان الأساطير من تفسير أصل العالم والحياة.



فيثاغورث
هو مؤسس الفيثاغورثية وهي فرقة دينية علمية سياسية تمتاز بالسريّة والصرامة. أسّس مدرسته على نظام دقيق يفترض تمتّع التلميذ بخصائص محدّدة, وقد كانت مدرسته الأولى التي تفسح المجال أمام النساء وتعلّمهم, ولهذا كانت المرأة الفيثاغورثية تعدّ أفضل نساء الأغريق. كان نظام المدرسة أخويّا, حيث يلبس الجميع لباس موحدا, يعيشون عيشة الزهد والبساطة, يمشون حفاة الأقدام, لا يكثرون من الضحك او الإشارة او الكلام, لا يحلفون بالآلهة (لأن واجب المرء أن يكون صادقا بغير قسم), وكانو يحاسبون أنفسهم آخر النهار على ما فعلوه. من آداب المدرسة (الصمت), حيث أن التلميذ الجديد مطالب بالصمت خمس سنين حتى يلقّن التعاليم, ومن ثمّ ينتقل من صفوف المستمعين الى خاصّة طلّاب العلم. أعتنق فيثاغورث النحلة الأورفية, فكان يعتقد بتناسخ الأرواح, إذ ان الروح منفصلة عن البدن, ولها وجود سابق ولاحق له, لذلك فأن البدن سجن للروح, لكن ليس للإنسان أن يفر من هذا السجن بالانتحار, بل عليه العمل على الخلاص والإرتقاء بروحه من خلال التطهير, وذلك من خلال اتباع الزهد في المعيشة والاشتغال بالعلم الرياضي والعلاج بالموسيقى. كان مؤمنا بأنّ الأرقام هي أساس كل شيء, حيث ذهب الى أن الهيئة الرياضية للأشياء هي الأصل فيها, وبذلك حدد الموجودات بأنها بشكلها الهندسي الذي يتكون من الخطوط الخارجية, وهذا الشكل ثابت ينطبق على جميع الأفراد (مثال الأصبع واليد). هنا يتبيّن أنّ فيثاغورث أنصرف الى الصورة المحدودة وانتزعها من المادة اللا محدودة عند الأيونيين. وكان لتعمّقه في البحث الرياضي تأثيرا على نظرته للحياة الفاضلة, وهذا يدل على أن الدراسة المتقدمة للأرقام لها تأثير على السلوك, حيث أنها تظهر وتفسّر جوهر الفضيلة (حيث أن الرقم هو جوهر كل شيء) وأنها توصل الإنسان الى التأمّل والحقيقة. كان صاحب في إقامة مبادئ علم الموسيقى. هذا الاعتقاد بأهمية الرياضيات, انعكس على ما اتى لاحقا من مدارس فلسفيّة حتى يومنا هذا, إذ ان فيثاغورث كان يلتمس الحقيقة في المعرفة الرياضية لأنها يقينيّة ومضبوطة ومستمدة من العقل ذاته لا من الحسّ, فهي أهم مصدر في الأعتقاد بوجود حقائق أزلية صحيحة. كان قد طرح نظرية التآلف العددي للأضداد, وكان عدم فهمه لمبدأ وحدة الأضداد هو ما جعل هرقليطس عدائيا معه.



اكزينوفانيس
هو ملهم المدرسة الأيليّة. كان يرى بأن الإنسان يرى الاله على صورته, لذلك تعددت آلهته بحكم تعدد أطباعه وقوميّاته. لهذا رأى أنه يجب تخليص فكرة الاله من العناصر البشرية, بحيث يجب النظر اليه على انه ذو قدرة مطلقة, متحرّرا من المحدودية البشرية, اساسا للخير, ولا محدود المعرفة. كان يرى بأن هذا الاله ليس متحرّكا بل مستقرّ وثابت. وقد قال بأنه لا يمكن لإنسان أن يصل الى الحقيقة المطلقة, لأنه حتّى لو أصابها فأنّه لن يعلم بأنه قام بذلك, لهذا فإن معرفة الإنسان لله تقف عند حد الظن. على المستوى الأخلاقي, كان يدعو الى حياة طابعها الزهد والإكتفاء, مع التركيز على القدرات العقليّة لا الجسديّة, بحيث أن الرياضيين لا يقدّمون إفادة للمجتمع. كما أنه كان يبغض اللؤم والجشع. بالنسبة الى أصل المخلوقات, فإنه كان يرى أن كل شيء أتى من الطين, وإلى الطين سوف يعود, وذلك لملاحظته الأحفوريات التي وجدت لحيوانات بحرية على اليابسة, لذلك, فإنه يؤمن بوجود دورة تكرّر نفسها على مستوى الخلق.



هرقليطس
كان أوّل من أخرج الفلسفة من بعدها المادّي الى البعد الماورائي والأخلاقي. قال بالوحدوية وأن الكون في حالة تبدّل مستمرّ (نظريّة التدفّق) بحيث يبدأ من النار ويعود للنار, وبهذا جعل النار أصلا للكون. وهذا االتبدّل ترافق مع مبدأ بأن هذا الكون دائما كان ودائما سيكون. ما يعني أنه لم يقل بأن الكون بدأ من النار, بل بأن العنصر المكوّن للكون هو النار (كل مادّة هي في وقت ما نار). وقد شبّه هذا التبدّل بالنهر, حيث أن ظاهره ثابت, الّا ان مكونه دائم التغيّر. وبناء على هذه الرؤية, فإننا لا يمكن أن نعلم يقينا أي شيء عن أي شيء, لكون كل شيء متغيّر بشكل دائم, وبذلك فإننا محكومون بالتعامل مع ظواهر الأشياء, لا حقيقتها, لأنّه واقعا, لا حقيقة ثابتة لأي شيء. انطلاقا من نظريّة التدفّق, طرح هرقليطس فكرة (وحدة الأضداد), وهي القول بأن الكون بكليّته مكوّن من أشياء متضادة, وهذا ما يخلق التوازن خلال عمليّة التبدّل. لكن هذا التبدّل لا يتمّ بناء على تدخّل من قوّة ما, بل هو مقيّد بقانون محدّد. اذا عمليّة التبدّل هي عملية خلق, اذ أن ثبات الصراع بين المتضادات يخلق مكوّنات جديدة يرتبط وجودها واستمراريتها باستمرارية هذا الصراع المتوازن, لهذا قيل (الصراع أساس الوجود). كان تفكيره مرتكزا على المنحى التدميري (تحوّل المواد الى نار) وكان لهذا تأثير على فلسفته بشكل عام. لقد صوّر هرقليطس العالم لا بأنّه محصّلة (جمع) كل الأشياء (المتغيرات, العناصر, الأحداث ...) بل أنّه كلّيتها. لقد أشار هرقليطس الى LOGOS (الكلمة) كمصدر وناظم للتدفّق والتبدّل, اذا انها هي من تحدد معاييرها وحدودها, وقال بأنها تضبط سائر المخلوقات, وأنها موجودة في الإنسان نفسه, والإنسان يطلع عليها كلما زاد معرفة وعلما. وقد قال بلا جدوى السؤال عن مصدر (الكلمة), اذا انها موجودة في الفطرة منذ الأزل والحكمة الحقيقية هي معرفتها حقّأ. كان يرى بأن أغلب البشر جهّال, لا يدرون ماذا يجري لهم أو ما يدور حولهم, رغم أنّ الحكمة بمتناولهم, الّا أنّهم لا يستخدمون قدراتهم المعرفيّة للسعي اليها والبحث عنها. بينما أعترف بأن الحواس ضروريّة للفهم, الا أنه أشار بأنّه بغياب اللغة الضرورية (المنهج) لا يمكن استخلاص المعلومة الضرورية الواردة من الحواس, كذلك فإنه للوصول الى (الكلمة) لا بدّ من إعمال العقل عبر البحث في أنفسنا ومع غيرنا لأن العقل عام مشترك واحد الهي. كان يرى بأن الشعراء ضالّون, حيث أنهم يقومون بوصف الواقع الظاهر, متناسين الجوهر, لذلك يجب أن ينسى أثرهم, لأن بحفظها نكون قد جعلنا من الغير موثوقيين رقباء على الغير مؤكّد. كان يرى بأن علماء الدين ليسوا أهل ثقة أيضا, حيث أنهم يحاضرون بما لا يعرفونه (ما بعد الموت), إضافة الى ان الصلاة بغاية الطلب غير جيدة, لأنه لا يفضّل ان يحصل الانسان على كل ما يريد, حيث أنه يرى بأن تدليل النفس قاتل للروح. كان يرى بأن الفلاسفة يعلمون الكثير, الا انهم ما زالوا يفتقدون الحكمة الكاملة, لذلك فإن معظم أفكارهم هي آراء. كان يرى بأن كل القيم التي نتداولها هي نسبيّة, اذ انه ذكر مسبقا بأن كل شي عرضة للتغيير. كان يشمئز من ممارسة السياسة, لرؤيته بأن الساسة يكونون عرضة لأن يسيطر عليهم من الأفكار الخاطئة للغوغاء على حساب الفاضلين في المجتمع. أعتبر بأن الحرب هي التجربة الفلسفية الأولى, إذ أن بها ينقسم العالم ما بين عبيد وأحرار, قالحرب هي صراع بين فريقين, وهي في الطبيعة صراع بين أضداد. كان كتابه غامضا في لغته, اذ انّه كان يؤمن بأن العقل يهتدي بالبصيرة لا بالمعاني, ويصدق بالتركيب لا بالتحليل, حتى أن سقراط عندما سؤل عن هذا الكتاب قال "ما فهمته عظيم, كذلك ما لم أفهمه".



الكمايون
كان يركّز على البعد الحسّي – الإدراكي لدى الإنسان, وهو ما يجعله أول من خاض المجال المعرفي (الأبستيمولوجي) والنفسي. كان مؤمنا بنظريّة الأضداد اللتي أطلقها فيثاغورث, إلّا أنّه كان يركّز في تطبيقه للنظريّة على التكوين البشري, لذلك فقد قدّم أضدادا من القيم اللتي يمكن استيعابها بالحواس. كان يري بأن الصحّة هي نتاج تناغم الأضداد وليس فقط ثنائيتها, وأي خلل في قيم هذه الأضداد سيؤدي الى المرض Isonomia vs. Monarchia. كانت أعماله مبنيّة على تجارب ومراقبات تشريحية جراحية لأعضاء الحواس, وبالأخص العين. كما أنّه تحدّث بأن الدماغ هو مجمّع الأحاسيس وحيث تخزّن الذكريات وتبنى الأفكار, وفي مرحلة لاحقة تحصّل المعرفة. وقد فرّق الإنسان عن الحيوان, بأن الأنسان قادر على الفهم, بعكس الحيوانات اللتي تحس وتدرك لكن من دون فهم.



بارمينيدس
لقد بنى نظريّته على خلاصة ما توصّل اليه من سبقه من الفلاسفة, الّا أنّه اختلف معهم في قولهم بأنّ العدم ممكن الوجود. وبهذا الطرح جعل الوجود واحداّ متجانسا ثابتا أبديّا (الوجود موجود), مناقضاّ بذلك هرقليطس الذي قال بالصيرورة والتغيّر الدائم. كان أيمانه بوحدة الوجود مناقضا لمبدأ وحدة الأضداد, لأن ادراكه يأتي من العقل, والأضداد ادراكها يأتي من الحس (ما نفكر فيه وما من أجله يوجد التفكير شيء واحد, لأنك لا تجد تفكيرا في غير الوجود الذي تعبر عنه بالكلام) وبهذا وصل بين الوجود والفكر واللغة, ويثبت وجود الموجود لأننا نفكّر فيه ونعبّر عنه باللفظ. كان يؤكد على الأخذ بطريق الحقيقة, ويحذّر من طريق الظن والتي تتجلى في مسارين, الأوّل وهو المسار العدمي, وهو ما كان يرفضه كليّا, والثاني هو المسار الفاني, حيث يتقلّب الباحث ما بين العدميّة والوجود. والمسار الفاني هو الذي يأخذ بالمعطيات الحسيّة ويبني عليها, الّا انّه لا يعتبر أنّ هذا المسار هو الذي يوصل الى الحقيقة (إنّ الأشياء واحدة في العقل, كثيرة في الحس), بل هو مسار يصلح لخلق عالم خرافي, لا عالم حقيقي, مع التأكيد على أن هذا المسار هو خير من خلق الخرافة والإيمان بأنها الحقيقة. كان يقول بأنّ العجز هو ما يحكم البحث عن الحقيقة بسبب عدم صلاحية الأدوات المستخدمة للوصول اليها (الحواس). بارمينيدس لم يكن بوارد اضافة خرافة وتفضيلها على البقية في عالم لا تتوافر فيه مثل الحقيقة التي يمكن المقارنة على أساسها. لذلك فأنه دعى الى استخدام العقل كأداة وحيدة للوصول الى الحقيقة. أمّا بما يتعلّق بطريق الظن, فأن الحواس تعطينا التصوّر الظاهري للأشياء من خلال ادراكها عن طريق الظن والمعقولية, لذلك فأن ما يمكن إدراكه بالحس, يختلف تقييمه ما بين انسان وآخر, لأن ما يدرك بالإحساس فيه الكثير من التغيّرات من جرّاء الفساد والنمو. إن الحديث عن الكائن في وحدته لم يلغي الأشياء المتعدّدة والمحسوسة بل وضّح اختلافها بالنسبة لما هو معقول, وهذا يأتي من خلال أعتبار أنه خارج الكينونة لا توجد لا كينونة, لذلك فأن ما يكون هو الواحد ولا شيء آخر, ولكن لاضطراره على ملاحظة الظواهر, والتسليم بالواحد نتيجة العقل, والتسليم بالكثرة نتيجة الإحساس, فهو يثبت ثنائية الأسباب والمبادئ. من هنا نرى بأن بارمينيدس لما يكن فقط مفكر الكينونة بل كان أيضا مفكّر التكوين وتعدد الظواهر والمحسوسات. يعتبر بارمينيدس (نبي المنطق), إذ أنّه من خلال تركيزه على فكرة الطرق (الحقيقة والظن) يقوم باستخلاص النتائج من المقدمات التي نضعها بالأعتماد على مبادئ عقليّة, وهو يقابل بين العالم الحسي وبين العالم العقلي ويجعل المظاهر الحسيّة أثرا لحقيقة معقولة لا تدرك الّا بالعقل.



زينون
أعتبره أرسطو مؤسّس الجدل, وقد فتح أسلوبه الباب للسفسطائيين اللذين اعتمدوا أسلوبه وانحرفوا به. ينفي زينون الكثرة والحركة تأييدا لمذهب أستاذه بارمينيدس في الوجود الواحد الثابت, وإن تأملنا في حججه فإننا نرى أنها تبحث بين المعقولات الثابتة الموجودة في عالم العقل, وبين المحسوسات المتغيرة الظاهرة لنا في عالم الحس, كما تتناول طبيعة الزمان والمكان, النهاية واللانهاية, وبعض المفهومات الرياضية مثل النقطة والخط والعدد والوحدة. وقد كانت نظريته في انقسام المسافة الى ما لا نهاية سببا في نشأة حساب التكامل والتفاضل. إنّ الإيمان بالعقل, على نهج زينون, دفع بالفلسفة حين اصطدمت مع الظواهر المحسوسة المتناقضة الى القضاء على الحس بالوهم. كان أوّل من وصّف علم التأويل (الهرمنيوطيقا) بقوله (الحوار مستحيل) إذ أنّه اعتبر بأنّه لا يمكن فهم أي قول بدون فهم ما يعرفه القائل والسياق.



مليسوس
كان أحد تلامذة بارمينيدس, وانبرى كما زينون لتأييد مذهب الأستاذ عبر سوق الأدلة على صحته. فبعد أن قال بارمينيدس بأن الوجود لا نهائي من حيث المكان, فقد أضاف مليسوس بأنّه لا نهائي من حيث الزمان أيضا. وبنفيه للكثرة عن الوجود, فقد طرح سؤالا عن قيمة الحواس ومدى الإعتماد عليها. وبذلك يكون مليسوس قد أكّد على صفات الوجود اللتي وضعها بارمينيدس وهي (أزلي, لا نهائي, لا جسماني, لا متغيّر, حيّ بدون إحساس, عديم الحركة, نفي الكثرة).



أنبادقليس
أخذ بعض آرائه عن المدرسة الأيلية. كان يرى بأن المعرفة لا تتوقف على الآلهة, بل على تحصيل المرء بطريق الحواس والنظر العقلي. وقد أعتبر أقدم الفلاسفة الذين حاولوا تفسير نظرية المعرفة, حيث قامت نظريته على أساس أن الشبيه يعرف بالشبيه, وبذلك فأن معرفة الإنسان للأشياء دليل على أن النفس والعقل ماديّان مركبان من العناصر ذاتها التي تتركب منها الأشياء. ولما كان الطريق الى المعرفة هو الحواس, فليس من الميسور أن يبلغ الأنسان معرفة الحقائق الكلية للأشياء لسببين: الأول أن الحواس محدودة في إدراكها للوجود, والثاني أن الحياة قصيرة لا تكفي في تحصيل الحقيقة عن طريق الحواس. لذلك لا بد من طريق آخر, هو الإلهام, الذي يعتبره صلة الوصل مع الآلهة. الّا أنّه على نقيض بارمينيدس, لا يسعى هو الى تحصيل الحقيقة, بل ينتظرها الى أن تأتي اليه. في حديثه عن العناصر الأربعة, حاول أنبادقليس التوفيق بين المذهب الأيلي المؤمن بالواحد وبين الطبيعيين الأوائل, فجعل العناصر الأربعة ثابتة في الأصل (ظل هذا الفكر سائدا حتى القرن الثامن عشر), وجعل التغيّر ليس في أمتزاج العناصر بما يذهب عنصريّة كل منها, بل بتجاور جزيآتها. وقد فسّر هذا التغيّر بمنطق المحبّة والغلبة, وبهذا عكس التجربة من عالم البشر على الأشياء. إنّ منطق المحبّة والغلبة حلّ مشكلة الواحد والكثير, فبسيادة أحد الإتجاهين ينتج الحاصل في وجود الأشياء, لكنّه ربط المحبّة بالكون والغلبة بالفساد. بهذا فأن حصول الكثرة هو ناتج عن الغلبة وهذا العالم يسيطر فيه الفساد, وهنا نستنتج بأن أنبادقليس هو من فلاسفة التشاؤم, إذ رأى بأن البشرية سائرة الى الهلاك بسبب ازدياد النزعة الفردية المتمثلة في انتشار الديمقراطية (على الأرض رؤوس كثيرة لا رقاب لها). ليس للعناصر عنده مكان طبيعي, فقد تكون في هذا المكان أو ذاك بحكم الميكانيكية العمياء وبفضل المصادفة والأتفاق, لا بنزوعها الخاص نحو الكامل. وبذلك فأن تكوّن الأشياء على ما هي عليه هو محض صدفة, لكنّه خاضع أيضا للضرورة. بسبب تأثّره بفيثاغورث وبالنحلة الأورفيّة, كان أنبادقليس يرى نفسه مرسلا من الآلهة لكي ينقذ الأرواح المذنبة (ضرّجت يدها بالدم).



أنكساجوراس
تأثّر بالفلسفة الطبيعية في أيونيّة, إلّا أنّه خطا بها الى الأمام عبر الأخذ من التقدّم العلمي الحاصل في زمانه, حيث أن القرن الخامس امتاز بنزعة واقعية تجريبية (مثلا, أبقراط في الطب وهيروردت في التاريخ) وكذلك كان أنكساجوراس يعتمد المراقبة والتجربة في سبيل تعليل الأسباب والغايات. كان يقول بأن البذور (الأجزاء) هي مبادئ الموجودات, وهذه البذور تحتوي على شيء من كل شيء, أي أنّ الأضداد ممكن أن تجتمع في البذور. لذلك فلقد قال بأنّه في البداية كانت جميع الأشياء معا في كتلة لا نهائية في الصغر, وجاء العقل (الله) الذي هو خالد, أزلي, نقي غير ممتزج, قائم بذاته وحرّك الحركة الكليّة فتحرّكت الأشياء الحركة الأولى, وجعل أنكساجوراس من العقل علّة فاعلة. فأصبح لدينا ثنائي المادة والعقل, والعقل هو من حرّك المادّة لتنشأ منها الكيفيّات المتضادّة, وهذه المادّة لا توجد ولا تزول, بل هي تتغيّر عبر التمازج والإنفصال فيما بينها, ولتكوّن الأشياء يعتمد مبدأ تقارب الشبيه من الشبيه ما يسمح للبذرة باجتذاب العناصر الملائمة لها. وقد ناقض أنبادقليس في موضوع الإدراك الحسي, فقال بأن الإحساس هو نتيجة تقابل الأضداد.



لوقيبوس
هو مؤسس المذهب الذرّي. حاول أن يتوسّط بين المذهب الواحدي (بارمينيدس) ومذهب الكثرة (أنبادقليس) وكان متأثرا بالمدسة الفيثاغورثية, لذلك فقد قال بأن الذرات أعداد أو مركبة من أعداد (أعطاها شكلا ماديّا), واعتبر الذرة هي الواحد البارمينيدي ولكن يوجد منها عدد لا نهائي, لكنها لا يمكن أن تنقسم. كان أول من أعلن وجود الخلاء (اللا موجود) في تاريخ الفلسفة, وهذا الخلاء تملؤه الذرات. إن اجتماع الذرات وانفصالها يؤدي الى الكون والفساد, ولا يخضع ذلك لأي علّة عاقلة, لهذا فإن الحقيقة في الظاهر فقط. كان يقول بأن جميع الظواهر النفسيّة (كالإدراك الحسّي) تفسّر تفسيرا ماديّا, نتيجة صدور انبعاثات من المحسوسات تتلقّاها الحواس.



ديمقريطس
كان تلميذا للوقيبوس وأخذ عنه مذهبه الذرّي. فسّر ظاهرة التغيّر والموجودات التي تظهر ثم تختفي (الكون والفساد) من خلال تحرّك الذرات في الخلاء وتصادمها وتفرقها من دون أي تغيّر في جوهرها, نتيجة لهذا ينشأ لدينا عوالم لا نهاية لها. أضاف بأن هناك درجتان من الوجود, باطنة لا تدرك بالحواس وظاهرة فهي التي تدركها الحواس ونعلمها بالتجارب. كان يقول بأن الحياة ظهرت نتيجة التولد الذاتي, بغير خلق أو غاية. تتصل نظريته في المعرفة بمذهبه في الوجود, فالمعرفة الصحيحة هي العلم بالذرات, عن طريق العقل أما المعرفة التي تكتسب بالحواس فلا تعلمنا الا الظاهر. هذه الإحساسات واقعيّة, لكنّها تختلف من شخص الى آخر نتيجة أعضاء الحس التي تتلقاها وتتأثر بها. كان يقول بأن لا دور للآلهة, والتقرّب اليها عبث, لأن المريض الذي يطلب الشفاء يجب أن يلتمس الصحّة في نفسه. على المستوى الأخلاقي, كان يرى بأن الإنسان يتميز بالعقل, ويدرك مصلحة نفسه, ويطلب أن يكون سعيدا, وهو مسؤول عن تحقيق هذه السعادة وذلك بمعرفة فن الحياة وكيفية إشباع اللذات وفي نفس الوقت تجنب الألم, من خلال التمييز بين الخير والشر. إن تحقيق هذا يرجع الى فضيلة نفسية هي قوة النفس واعتدال المزاج والإرادة الطيبة euthymie, ولا تحصل هذه الحالة الا اذا تحرر الإنسان من الخوف. إن تهذيب النفس بالطريقة التي تؤدي الى أن يتملك الإنسان زمام رغباته يوصله الى الإعتدال وهذا هو سر السعادة.



فيلولاوس
كان يتبع للمدرسة الفيثاغورثيّة, لكن من المتأخرين. قال بأن الإنسان مركّب من النفس والبدن, ويتم تطهير النفس وتزكيتها من خلال المعرفة والعلم. ورغم أنّه قال بلا مشروعيّة الإنتحار, الّا أنّه قال بأن الفيلسوف الحق ينشد الموت, وذلك حتى تتحرّر النفس من أسر البدن (القبر). لكنّه نفى فكرة التناسخ, أي انتقال النفس من بدن الى بدن التي كان يقول بها قدماء الفيثاغورثيين وأتباع النحلة الأورفيّة, بل قال بأن النفس أئتلاف للبدن, فهي تفنى مع فنائه. هذه الفكرة أتت تأثرا بما استجد من نظريات طبيّة وما طرحه انبادقليس والذريين. وقد طوّر نظريّة الأعداد التي قال بها الفيثاغورثيين سابقا, فبدل أن تكون (الأشياء أعداد) جعل منها (الأشياء مركبة حسب الأعداد). هذه الصلة بين الأشياء والأعداد تكون من خلال معرفة النسب العدديّة, لأن ما يمكن إدراكه من الأشياء هو هذه النسب. كان أول من قال بأن الأرض ليست مركز العالم, بل الشمس.



السفسطائيون
هم المتخصصون في تجارة الكلام والعلم بالفضيلة, أي فن الجدل. لذلك كانت النظرة الى السفسطة على انها المعرفة "المموهة" التي عليها سيماء الحقيقة لكنها ليست منها بشيء. كان ظهورهم نتيجة لتغيّر نظام الحكم في اليونان وانتقاله للديمقراطية, فكان الناس بحاجة لمن يعلّمهم فن الخطابة والجدل حتى يمتلكوا ناصية البيان وبالتالي الفوز بالانتخابات والاستئثار بالسلطان. كذلك فإن سقوط نظريّة الفلاسفة الطبيعيين في خلع الصفات الإنسانيّة على الطبيعة (العدل) وتحوّل الفلاسفة الى اعتبار أنّ التقاليد والأعراف متغيّرة ومن وضع الإنسان على عكس المظاهر الطبيعية الثابتة التي أرّخها هيرودوتس في جغرافيا العالم القديم. إضافة لذلك, فقد أحس اليونانيون بقدرتهم الإنسانيّة بعد التجربة الواقعيّة التي هزموا فيها الفرس. فتلقّت دلفي ضربة ثقيلة كان لها أثر كبير في إضعاف نير الدين على العقل اليوناني. لقد كان الفضل للناس لا للآلهة في إنقاذ اليونان, فأنشد سوفوكليس في تمثيليّة أنتيجونا (الإنسان من بين الأشياء القويّة أقواها جميعا, لقد علم نفسه الكلام والتفكير السريع وسكنى المدائن). هنا جاء دور السفسطائيين في أن يعبّروا عن هذا الوعي الجديد وان يشبعوا الحاجة العمليّة الى أفكار جديدة والى أسلوب جديد يقدمون فيه هذه الأفكار. فانطلق السفسطائيون الى تعليم مختلف العلوم النظريّة والعمليّة, وكانوا يتقاضون أجرا على ذلك. علّق إدوارد زيللر بأن السفسطائية تختلف عن الفلسفة الطبيعية في الموضوع والمنهج والغاية. فانتقل موضوع البحث من الطبيعة الى الحضارة والإنسان, وبعد أن كان منهج الطبيعيين قياسيّا يستخلص النتائج من المبادئ التي يضعونها, أضحى مع السفسطائيين استقرائيا تجريبيا, وكانت غاية الطبيعيين المعرفة لذاتها, لذلك كان بحثم نظريا, أما السفسطائيين فغايتهم عمليّة.



بروتاجوراس
يعتبر أوّل السفسطائيين وأكثرهم شهرة. كان أول من أدخل علم النحو الى المنهج, إذ أن قواعد اللغة لم تكن معروفة قبل. قال في كتابه "الحقيقة" بأن (الإنسان مقياس الأشياء جميعا). نظريّته في المعرفة كانت تقوم على أن الإحساسات صادقة وهي معيار الحقيقة, المعرفة نسبيّة, الوجود متوقّف على المدرك. فالإنسان هو مقياس وجود الأشياء لا مقياس صفاتها, لذلك فهو يقيّم الوجود على المعرفة التي تبدأ من الحواس, وعلى هذا المنطق قال بوجود حجتين متناقضتين لكل شيء. كان يرى بأن الإنسان لا يملك بالطبيعة شيئا من الفضائل ولا العلم بها, ويحتاج الى معلّم يرشده اليها ويبصره بها ويلقنه إيّاها, لذلك فأن الإنسان لا يولد خيّرا أو شريرا بالطبع. وحيث انه يعارض فكرة الطبيعة, فإنه يذهب الى أن سلوك الناس وأخلاقهم تخضع للعادات والتقاليد الجارية في الإستعمال عند الجماعات المتحضرة, لهذا فإن الأخلاق تنشأ مع المدنيّة وتنحدر مع التقاليد. ومن هنا كان لزاما حصول التربية للفرد في المدينة من خلال البيئة أو بواسطة معلّمين, بهذه الطريقة تؤمّن تحقيق العدالة عبر التأهيل الفردي بهدف الوصول الى المدينة الفاضلة. إلّا أنّ بروتاجوراس كان يذهب الى نسبية الأخلاق تبعا لإختلاف شرائع المدن وتقاليدها, ما اعتبره سقراط تعليما للفضيلة الشعبيّة, لا الفضيلة الفلسفيّة المطلقة.



جورجياس
أحد أبرز السفسطائيين وأستاذ في فن الخطاب. عرف عنه توجّهه الى العدميّة, وقد أبرز ذلك في كتابه "في الوجود" حيث قال أنّه لا يوجد شيئ, إذ لا يوجد اللا وجود, ولا يوجد الوجود كشيء أزلي أو مخلوق أو كليهما ولا واحدا ولا كثيرا, ولا يوجد مزيج من الوجود واللا وجود. وإذا وجد شيء فلا يمكن إدراكه (إذا لم تكن المعاني العقليّة حقائق, فلا يمكن أن تعقل الحقيقة), وإذا أمكن إدراك الشيء فلا يمكن نقله الى الغير. هذه النزعة العدميّة تلغي الوجود والمعرفة الغاء تاما في نقض صريح للمدرسة الأيليّة وللثالوث البارمنيدي القائم على الوجود والفكر واللغة. لكنّه كوّن ثالوثا خاصّا بالإنسان يتألّف من السعادة وإرادة القوّة والخطابة, بحيث أن السعادة هي الغاية وإرادة القوة هي الموضوع والخطابة هي السبيل. كان يرى أنّ الخطابة هي أعظم شؤون الإنسان, لأنها سلاح رجال الحكم للظفر بالقوّة. كان صاحب المذهب الخطابي التي يعنى بالفخامة والجرس والمحسنات اللفظية حيث يلعب الخطيب بالخيال, في مقابل مذهب بروتاجوراس التي يعنى بالمعاتي وتسلسل الأفكار واستخلاص النتائج من المقدمات حتى يؤثر الخطيب في العقل. لقد كان أثر جورجياس في الأدب الأثيني وفي نشأة النثر الفني وتطوره في أوروبا بعد ذلك عظيما. كان يقول بأن القوة تعلو على الحق, حيث أن الحياة الإنسانيّة مظهر لتغلّب الأقوى, والإنسان بطبيعته أناني, معتدّ بذاته, راغب في المتعة والسلطان. فالرجل القوي يعرف كيف تساس المدن, ومن حقه أن يتولى حكمها, إذ ليست القوّة في كبح جماح النفس والزهد في رغباتها, فهذا من مظاهر الضعف وخور العزيمة, وهو بالعامّة أليق. يجب على الرجل القوي أن يكون شديد النزوع وأن يشبع رغباته الى التمام, فهذه هي طبيعة الحياة, نزوع ورغبة وشهوة وقوّة تدفع الى تحقيقها ليشعر المرء باللذة ويبلغ السعادة, عبر تغليب قوة الإرادة الشخصيّة على العرف والتقاليد. ومهما حاول الضعفاء من الناس – وهم الأغلبيّة – من سنّ القوانين والحديث عن العدالة والأخلاق, وذلك بهدف السيطرة على الأقوياء, سترجع الطبيعة والتاريخ الأمور الى نصابها بتحطيم القوي للقيود التي فرضت عليه وسيقيم من نفسه سيدا على الضعفاء.



أنطيفون
كان يقول بنظرية المدرسة الأيليّة من أن جميع الأشياء واحد, وأن الأشياء الكثيرة ليس لها وجود حقيقي, فهو يفصل بين عالم الحس وعالم الحقيقة, والحقيقة هي المادّة لا الصورة, فالمادّة باقية والصورة فانية. وقال بأنّه لا حاجة للكون الى وجود آلهة, فالكون مكتف بذاته وتسيّره قوانين المصادفة والطبيعة وتتحكّم فيه قوانين الضرورة ويسير وفق تناغم أزلي لا يختل. لقد أعتبر أن البشر اتّفقوا على وجود الآلهة, لهذا كانت تتعدّد بتعدّد المدن, فاعتبرها (مجرّد مزاعم متعارف عليها بين البشر). كان معارضا لقوانين المدينة باعتبارها قائمة على الظن لا على الحقيقة لأنها ثمرة اتفاق الناس, ليست كقوانين الطبيعة الضروريّة والحتميّة والتي تسري عواقبها بضرورة مطلقة. فمذهبه من المذاهب الفرديّة التي تعنى بمصلحة الفرد ولا تحفل بالجموع, وعلّة ذلك أن شرائع المدينة تعارض مصلحة الفرد القائمة على القوانين الطبيعية التي تهدف الى سعادة المرء. ومن هذه النزعة الفرديّة توسّع ليشمل الحياة الإجتماعية, اذا أنّه يرى في الزواج مجلبة للمتاعب وإثقال بالهموم, والإنسان بغنى عن ذلك, حيث عليه أن ينتهب اللذات من هذه الحياة القصيرة الأمد المملوءة بالآلام, لا أن يزهد فيها ويعدّ نفسه لآخرة لا وجود لها. وقال أنطيفون بأن السبيل الى السعادة هو التربية, فإذا كانت البداية صحيحة فالنهاية ستكون كذلك.



بروديكوس
يعتبر أفضل السفسطائيين, إذ صوّره أفلاطون في صورة حسنة, وامتدحه سقراط وقدّر حكمته. أعتبر مؤسس علم المترادفات وترك أثرا كبيرا في علم المصطلح وعلم دراسة أصل الكلمات. كان يقول بتغليب القوة على الحق, لكنّه قرن القوّة بالفضيلة والعمل (فضائل هرقل). كان متبحرا في اللغة وعارفا بدقائق معانيها, وهو أول من أستخدم منهج التحليل اللغوي في دراسة مسائل الدين والميتافيزيقيا. بحث بروديكوس عن الأصل في نشأة فكرة الألوهية عند الإنسان, وأرجعها الى أن الإنسان ألّه الأشياء الطبيعية التي يستفيد منها, خاصّة تلك التي يتناول منها غذاؤه, لهذا نشأت الألوهيّة عند استقرار الأنسان في الأرض وتعلّم الزراعة. لذلك فقد أعتبر الألوهيّة مجرّد قوالب لغويّة فارغة من المعنى. تلخيص نظريته بأن الإنسان البدائي كان معجبا بالهبات التي زودته بها الطبيعة لتسهيل حياته ورفاهيته (الشمس, الماء ...) وهذا جعله يعتقد أنها إما أن تكون إحسانا خاصّا من كائنات الهية أو أنها (الظواهر الطبيعية) قد تجسدت آلهة. هذا التحليل يؤيّد نظرة السفسطائيين في التقابل بين الطبيعة والقوانين. وطالما أن الآلهة ليست موجودة الّا في خيال من ألبسها لباسا بشريّا, فلا معنى معقول وراء طقوس عبادتها, ولا معنى لأيّة عناية إلهيّة.



كريتياس
قدّم نظريّة سياسيّة أخلاقيّة حول أصل المعتقدات الدينيّة اليونانيّة كانت أساسا لما أصطلح عليه في قرون تلت بالعقد الإجتماعي. إذ انّه أفترض بأن البشر عاشوا فيما سبق حالة من الوحشية, فلم يكن ثمة تفرقة بين الخير والشر. وللخروج من الحالة هذه, تم إدخال الألوهيّة من منطلق تخويفي بوجود كائن أزلي يسمع ويرى ويحيط ويعتني بكل شيء. لهذا فأن فشل قوانين العقوبات البشريّة في منع التجاوزات التي ترتكب في السر, عوّضه بغرس الخوف من الآلهة الخفيّة. وبهذا يكون الإيمان الديني عبارة عن خدعة سياسيّة الغرض منها التزام المواطنين جادة الصواب. إنّ فكرة تقدّم الجنس البشري من التوحّش الى المدنيّة هو بفضل إختراع البشر للقوانين والنظم السياسيّة الضابطة لسلوكهم, وبذلك تكون الحضارة محض خلق إنساني لا شأن للآلهة بها.



الرسم البياني أدناه يوضح التسلسل الزمني لظهور الفلاسفة وتصنيف المدارس الفلسفية في تلك المرحلة



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رأي - حزب الله والتدمير الذاتي

ملخّص - مؤتمر وادي الحجير وآثاره - منذر محمود جابر

رأي - فليحكم الإخوان!