رأي - شو رح يصير فينا؟
إن تراكم الصدمات والأحداث المؤلمة في غضون فترة زمنية قصيرة، من شأنه أن يؤثّر بشدّة على الوعي الجماعي ويغير تصور الواقع لدى أي مجموعة. وقد شهدنا هذه الظاهرة في الطائفة الشيعية في لبنان خلال الأحداث بين السابع عشر والسابع والعشرين من سبتمبر/أيلول. وما زال من غير الواضح المدى الكامل للتحولات النفسية والاجتماعية التي حدثت ــ وسوف تستمر في التكشف ــ داخل هذه الطائفة. ولابد من فهم هذه التغييرات سواء داخل الإطار الطائفي اللبناني أو من حيث علاقة الحزب السياسي المهيمن على الطائفة، حزب الله، بحليفه الإقليمي، إيران.
بعد سنوات من إعداد الطائفة الشيعية لحرب "حتمية" ــ وفقاً لمسؤولي حزب الله ــ وصياغة سرد يسلط الضوء على القوة العسكرية الهائلة التي تتمتع بها الجماعة، سواء من حيث الكم أو النوع، تعرضت صورة حزب الله التي تم بناؤها بعناية لضربة قوية. لقد تعرضت سمعة حزب الله، الذي يُعترف به على نطاق واسع باعتباره أكبر الفصائل العسكرية غير الحكومية وأكثرها تقدماً وخبرة في المعارك في العالم، لأول ضربة كبرى في أعقاب سلسلة من الهجمات على مدى يومين متتاليين باستخدام أجهزة النداء واللاسلكي، والتي أسفرت عن إصابة الآلاف ووفاة العشرات من أفراد التنظيم.
وبعد بضعة أيام، تم القضاء على قيادة وحدة النخبة في حزب الله، قوة الرضوان، تلا ذلك حملة غارات جوية ضخمة استهدفت القرى والبلدات الشيعية في جنوب لبنان، فضلاً عن الضاحية الجنوبية لبيروت وسهل البقاع. أدى هذا الهجوم إلى نزوح مئات الآلاف من الشيعة، حيث لجأ العديد منهم إلى المناطق التي يهيمن عليها السنة والمسيحيون والدروز داخل لبنان، بينما نزح عدد كبير منهم إلى سوريا والعراق.
ومع ذلك، كانت الضربة الأكثر تأثيراً هي اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والتي تردد صداها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. كان الاغتيال صادماً بشكل خاص للمجتمع الشيعي في لبنان، سواء من أنصار حزب الله أو منتقديه على حد سواء. إن استهداف مثل هذه الشخصية البارزة لم يخلّ بالهيكل التنظيمي والمعنويات لحزب الله فحسب، بل اعتبره غالبية المجتمع هجوماً شخصياً موجّهاً على كل فرد من أفراد الطائفة. لقد أشعل هذا الحدث أزمة وجودية، لن يدرك معناها وعمقها الكامل إلا الناس أنفسهم مع مرور الوقت.
إن نزوح الطائفة الشيعية زاد من تفاقم الانقسامات المتعمقة داخل المجتمع اللبناني. لقد تركت سنوات من التوتر الطائفي والصراعات المسلحة والآثار المركبة للأزمة المالية والاقتصادية لعام 2019 - والتي تسبب بها الشلل الحكومي المطول والفساد - لبنان أكثر تجزئة من أي وقت مضى. وفي خضم هذه الاضطرابات، عادت أسئلة الهوية إلى الظهور، مع تقوقع المجتمعات بشكل متزايد على نفسها. أصبحت الأحاديث حول الانفصال أكثر انتشارًا، وهمسات العداء تجاه "الآخر" أصبحت أكثر علانية. ساهمت الفصائل السياسية، بما في ذلك حزب الله، في هذا الانقسام المتزايد، مما أدى إلى تعزيز انعدام الثقة والعداء، وخاصة بين المسيحيين والشيعة، مع ظهور القوات اللبنانية كمعارضة رئيسية لحزب الله.
لقد ترك هذا الجو من انعدام الثقة العديد من الأفراد النازحين يشعرون وكأنهم في منطقة معادية، وخاصة مع ظهور تقارير عن طرد الأسر النازحة من القرى. كما تتزايد الدعوات لاستئناف العام الدراسي، حيث يأوي عشرات الآلاف من النازحين حاليًا في المدارس والجامعات في جميع أنحاء لبنان.
لقد استغلت إسرائيل هذا الوضع من خلال تأطير أعمالها العسكرية على أنها تستهدف القرى والمؤسسات والأفراد الشيعة حصراً، وهي الرواية التي تدعمها وسائل الإعلام المحلية والإقليمية. وقد ساهم هذا في تصور وجود جهد متعمد لتهميش وعزل المجتمع الشيعي عن بقية المجتمعات اللبنانية.
مع تعمق الخلاف بين الجماعات الطائفية في لبنان، يتزايد الخوف والقلق بشأن مستقبل ما بعد الحرب. وبغض النظر عن الكيفية التي سيؤول اليها الصراع في نهاية المطاف، فإن السؤال السائد داخل المجتمع الشيعي يعكس صدى حالة عدم اليقين وانعدام الأمن الأوسع نطاقًا بناءً على هذه التجربة، "شو رح يصير فينا؟"
إن المجتمع الشيعي يواجه حاليًا العديد من الأسئلة الملحة، ومن مسؤولية كل فرد معني أن يشارك في هذا الحوار الحاسم. هذه الأسئلة معقدة ومن المرجح ألا تسفر عن إجابات نهائية، لأنها تعكس وجهات نظر متنوعة موجودة داخل المجتمع. تاريخيًا، ظلت العديد من وجهات النظر هذه صامتة أو تم تهميشها بسبب هيمنة حزب الله وحركة أمل على الخطاب السياسي. وبينما يتصارع المجتمع مع هويته ومستقبله، من الضروري خلق مساحة شاملة للمناقشة المفتوحة، مما يسمح بسماع جميع الأصوات والنظر فيها في السعي إلى فهم جماعي.
من نحن كمجتمع؟
ما الذي يحدد هويتنا الجماعية؟ ما الذي يوحدنا؟ ما هي معتقداتنا الأساسية؟ هل نرى أنفسنا كجزء من هوية لبنانية أوسع أو لدينا هويّة مختلفة؟ إلى أي مدى تؤثر علاقاتنا بإيران على تصوّرنا لأنفسنا ولهوّيتنا؟ هل نحن مجتمع ديني أم سياسي أولاً؟
ما هو هدفنا؟
ما هي الأهداف التي توجه أفعالنا كمجتمع؟ كيف ينبغي لنا أن نساهم في المشهد الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي في لبنان؟ هل نسعى إلى الانفصال؟ ما هو معيار النجاح في مجتمعنا؟ كيف نوازن بين المسؤوليات المحلية والإقليمية؟ ما هي التضحيات التي نحن على استعداد لتقديمها من أجل هدفنا؟ هل هدفنا هو خدمة مجتمعنا فقط أم المجتمع اللبناني الأوسع؟ ما هو الإرث الذي نبنيه للأجيال القادمة؟
كيف وصلنا إلى هنا؟
ما هي الأحداث التاريخية التي شكلت وضعنا الحالي؟ كيف أثرت التحالفات مع دول مثل إيران وسوريا على تطورنا السياسي والاجتماعي؟ كيف أثر النظام الطائفي اللبناني على صعودنا في السلطة والتوترات التي نواجهها؟ ما هو الدور الذي لعبته حركات المقاومة والميليشيات في تحديد هويتنا؟ هل كانت هناك فرص ضائعة للإصلاح؟ كيف دفعتنا التحالفات أو التوترات السابقة مع الطوائف الأخرى إلى عزلتنا الحالية؟ كيف أثر تركيزنا على الانتماء الديني على استراتيجياتنا السياسية وعلاقاتنا داخل لبنان؟
ماذا سيحدث لنا؟
ما هي السيناريوهات المحتملة لمستقبلنا؟ ما هي العقبات التي نتوقعها في طريقنا، وما هي الاستراتيجيات التي يمكننا استخدامها للتغلب عليها؟ ما هي التغييرات في الحكم أو السياسة التي يمكن أن تؤثر على حقوقنا وتمثيلنا في لبنان؟ ما هو الدور الذي سنلعبه في تشكيل مستقبل لبنان؟ كيف قد تتغير علاقاتنا مع الدول استجابة للديناميكيات الإقليمية؟ كيف ستؤثر التوترات والعنف المستمر على وحدتنا وهويتنا كمجموعة؟ ماذا يتصور شبابنا لمستقبلهم؟ كيف سنتعامل مع الانقسامات والخلافات الوطنية؟
كيف نجد المعنى أو الأمل في هذا الموقف؟
ما هو الدور الذي يلعبه الإيمان في توفير الأمل؟ ما هي المبادرات المجتمعية التي يمكن أن تعزز الشعور بالهدف؟ ما هي الاستراتيجيات التي يمكننا تنفيذها لإدارة الصحة العقلية والأمان داخل مجتمعنا؟ كيف يمكن للحوار مع المجتمعات الأخرى أن يساعدنا في إيجاد الأمل؟
ما الذي يجب أن يتغير؟
ما هي التغييرات الضرورية داخل قيادتنا المجتمعية والسياسية؟ ما هي الخطوات التي يمكننا اتخاذها لبناء الجسور وتعزيز التفاهم مع المجموعات الأخرى في لبنان؟ كيف يمكننا المشاركة بشكل أكثر فعالية في العملية السياسية للدفاع عن حقوقنا ومصالحنا؟ كيف يجب أن يتطور نهجنا في التعليم والتربية؟ ما الذي يجب أن يتغير في حواراتنا الداخلية؟ هل سنعيد تقييم مسألة الانتماء أو الولاء لقوى خارجية؟ ما الذي يجب أن يتغير في فهمنا للهوية؟
من المسؤول؟
من يتحمل المسؤولية عن الحالة الحالية للمجتمع؟ ما مدى مسؤولية الأحزاب السياسية داخل مجتمعنا؟ كيف ساهمت أفعالنا أو تقاعسنا في ظروفنا؟ ما الدور الذي يلعبه الفاعلون الخارجيون في وضعنا؟ ما هي الالتزامات التي تتحملها الدولة اللبنانية تجاهنا؟ بأي طرق تؤثر الديناميكيات الاجتماعية داخل مجتمعنا على المسؤولية؟ ما هي المسؤولية التي تتحملها المؤسسات الدينية في توجيه مجتمعنا؟ كيف يمكننا إعادة تعريف المسؤولية بشكل جماعي للمضي قدمًا؟
ماذا يمكننا أن نفعل لضمان الاستمرارية؟
ما هي الإجراءات الفورية التي يمكننا اتخاذها لضمان سلامتنا وأمننا؟ ما هي الموارد المتاحة لدينا للمساعدة في بقائنا؟ ما هي فرص التعاون المتاحة مع المجتمعات الأخرى؟ ما هي الاستراتيجيات طويلة الأجل التي يجب أن نفكر فيها للاستدامة بعد البقاء؟
في التعامل مع تعقيدات هويتنا، يتعين على كل شيعي لبناني أن يتعامل مع أسئلة عميقة حول معتقداته وانتماءاته. وسواء اختار المرء الحفاظ على قناعاته السابقة أو التحول إلى منظور جديد خلال هذه المرحلة الحرجة، فيجب أن يتحول التركيز من مجرد الاصطفاف السياسي إلى تصور مستقبل يضمن وجودنا في السياق اللبناني الأوسع. تقدم هذه اللحظة فرصة للحوار الحقيقي - وهو الحوار الذي طال انتظاره. وبينما نواجه هذه المخاوف وعدم اليقين المشتركين، يمكننا أن نبدأ في إعادة تعريف أنفسنا والسماح للديناميكيات المجتمعية والسياسية بالتطور دون قيود. وفي حين قد تهدأ أجواء الخوف الحالية في نهاية المطاف وقد يتم التوصل إلى حل سياسي للصراع الجاري، فإن المواجهة الجماعية للأسئلة الوجودية ستشكل نقطة تحول مهمة للمجتمع. لا شك أن التداعيات النفسية لهذه الأزمة ستؤثر على مستقبلنا، سواء كانت الخلاصات التي سنتوصّل إليها متخيّلة أو مبنية على الواقع.
تعليقات
إرسال تعليق